(2) سودة بنت زمعة رضي الله عنها

 



هي سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية ، ثاني زوجات النبي صلى الله عليه

 وسلم ، كريمة النسب ، فأمها هي الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية ، من بني

 عدي بن النجار ، وأخوها هو مالك بن زمعة .


كانت رضي الله عنها سيدة ً جليلة نبيلة ، تزوجت بدايةً من السكران بن عمرو ،

 أخي سهيل بن عمرو العامري ، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً بدينها ، ولها منه

 خمسة أولاد .


ولم يلبث أن شعر المهاجرون هناك بضرورة العودة إلى مكة ، فعادت هي وزوجها معهم

 ، وبينما هي كذلك إذ رأت في المنام أن قمراً انقض عليها من السماء وهي مضطجعة

 ، فأخبرت زوجها السكران فقال : والله لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيراً حتى

 أموت وتتزوجين من بعدي ، فاشتكى السكران من يومه ذلك وثقل عليه المرض ، حتى

 أدركته المنيّة .

وبعد وفاة زوجها جاءت خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية امرأة عثمان بن

 مظعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، كأني أراك قد

 دخلتك خلة – أي الحزن - لفقد خديجة ؟ ، فقال : ( أجل ، كانت أم العيال ، وربة

 البيت ) ، قالت : أفلا أخطب عليك ؟ ، قال : ( بلى ؛ فإنكن معشر النساء أرفق

 بذلك ) ، فلما حلّت سودة من عدّتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها

 ، فقالت : أمري إليك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مري

 رجلاً من قومك يزوّجك ) ، فأمرت حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد

 ود فزوّجها ، وذلك في رمضان سنة عشر من البعثة النبوية ، وقيل في شوّال كما قرّره

 الإمام ابن كثير في البداية والنهاية .


وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، ولم يتزوج معها

 صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاث سنين أو أكثر ، حتى دخل بعائشة رضي الله عنها.


وحينما نطالع سيرتها العطرة ، نراها سيدةً جمعت من الشمائل أكرمها ، ومن الخصال

 أنبلها ، وقد ضمّت إلى ذلك لطافةً في المعشر ، ودعابةً في الروح ؛ مما جعلها تنجح في

 إذكاء السعادة والبهجة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قبيل ذلك ما

 أورده ابن سعد في الطبقات أنها صلّت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرّة في

 تهجّده ، فثقلت عليها الصلاة ، فلما أصبحت قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "

 صليت خلفك البارحة ، فركعتَ بي حتى أمسكت بأنفي ؛ مخافة أن يقطر الدم ،

 فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تضحكه الأحيان بالشيىء " .


وبمثل هذا الشعور كان زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يعاملنها ، ويتحيّنّ الفرصة

 للمزاح معها ومداعبتها ، حتى إن حفصة و عائشة أرادتا أن توهمانها أن الدجال قد

 خرج ، فأصابها الذعر من ذلك ، وسارعت للاختباء في بيتٍ كانوا يوقدون فيه ،

 وضحكت حفصة و عائشة من تصرّفها ، ولما جاء رسول الله ورآهما تضحكان قال لهما

 : ( ما شأنكما ) ، فأخبرتاه بما كان من أمر سودة ، فذهب إليها ، وما إن رأته حتى

 هتفت : يا رسول الله ، أخرج الدجال ؟ فقال : ( لا ، وكأنْ قد خرج ) ، فاطمأنّت

 وخرجت من البيت ، وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت .


ومن مزاياها أنها كانت معطاءة تكثر من الصدقة ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله

 عنه بعث إليها بغِرارة – وعاء تُوضع فيه الأطعمة - من دراهم ، فقالت : ما هذه ؟ ،

 قالوا : دراهم ، قالت : في غرارة مثل التمر ؟ ففرقتها بين المساكين .


وهي التي وهبت يومها ل عائشة ، رعايةً لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .


ففي صحيح البخاري ( أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها ل عائشة زوج النبي

 صلى الله عليه وسلم ، تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .


وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون

 في مسلاخها -أي جلدها- من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة) ، -ومعناه تَمنَّت

 أن تكونَ في مثل هدْيها وطريقتها ، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة

 النفس وجودة القريحة وهي الحدة -قالت : ( فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله

 صلى الله عليه وسلم لي) ، قالت يا رسول الله: ( قد جعلت يومي منك لعائشة .

 فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ل عائشة يومين يومها ويوم سودة .


وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " خشِيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله

 عليه وسلم فقالت : يارسول الله، لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ، ففعل "،

 ونزلت هذه الآية: { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن

 يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } (النساء:128) . قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه

 من شيء فهو جائز . رواه البيهقي في "سننه" .

ولما حجّت نساء النبي صلى الله عليه وسلم في عهد عمر لم تحجّ معهم ، وقالت : قد حججت

 واعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا أقعد في بيتي كما أمرني الله ،

 وظلّت كذلك حتى توفيت في شوال سنة أربع وخمسين بالمدينة ، في خلافة معاوية بن

 أبي سفيان بعد أن أوصت ببيتها لعائشة ، أسكنهنّ الله فسيح جنّاته .


أحدث أقدم